السبت، 8 يونيو 2013
11:39 م

خالد داوود يكتب : نذيع ولاّ مانذيعش؟

''جبهة الإنقاذ'': قرار الدعوة للانتخابات متسرع وسيزيد تعقد الموقف

«الحلقة اتسجّلت، نذيع ولّا مانذيعش؟»، كل مَن عاصروا ظهور برنامج «الكاميرا الخفية» قبل أعوام يتذكرون هذه الجملة جيدًا، وكيف كانت تأتى فى نهاية الحلقة بعد مقلب سخيف جدًّا يكون معدو الحلقة قد أعدّوا له بإتقان، وسقط ضحية له مواطن أو مواطنة حظّهما عاثر. لكن المشاركين فى الجلسة الكوميدية الرئاسية المذرية السوداوية، لمناقشة الخطر الحقيقى جدًّا المتمثّل فى إقامة إثيوبيا لسد على نهر النيل الأزرق دون تنسيق أو اتفاق مع مصر، تم حرمانهم حتى من هذا الحق، وتمت إذاعة الحلقة كاملة، بينما رئيسنا يبتسم. ولذلك جاءت الفضيحة بجلاجل وشاهدها القاصى والدانى، ولنبكى على أحوالنا من الضحك.
إذا قامت إثيوبيا ببناء عشرة سدود الآن بدلًا من سد واحد، فلن يلومها أحد، بل ستجد دعمًا وتأييدًا من كل الدول الإفريقية السوداء، وربما دول العالم بأكمله. وإذا قامت منظمة الوحدة الإفريقية بإصدار بيان تقريع وتحذير لمصر من أن عضويتها قد تُجمّد فى المنظمة التى أسهمت فى إنشائها فى الستينيات بنفسها، لأن أكبر مؤسساتها الحاكمة تسامحت وتساهلت مع خطاب عنصرى بغيض فى حق أبناء القارة فى حضور رئيس الجمهورية، لما استغرب أحد.
فقط فى مصر يمكن أن تمر هذه الحادثة بسهولة، وعادى وكأنه ماحصلش حاجة خالص. هى مجرد حلقة فى مسلسل طويل من الفشل، وقل يا باسط. مضى نحو أسبوع منذ هذه الواقعة التى أشك أنها حدثت فى أى دولة أخرى فى العالم، ورئيسنا محمد الثالث لم يتقدّم بعد بأى اعتذار رسمى لجيراننا فى إثيوبيا والسودان، ولأبناء القارة الإفريقية عمومًا، بنفسه وعلى لسانه وبشكل قاطع وبكل وضوح ومن دون مبررات.
ولكن لم يكن من المتوقع غير ذلك من الرئيس الذى استمع إلى هذا الكم الهائل من قمامة الكلام، بينما لم يرتعد أو ينتفض أو يزجر بعض المتحدثين عندما تحدثوا بكل عنصرية عن شعوب دول قارة ننتمى إليها، ونشرب من الماء الذى ينبع من عمقها بالشراكة مع تسع دول أخرى. هو فقط انبسط وابتسم وتهللت سريرته عندما داعبه وناغشه وتغزّل بذكائه وخبرته السيد أيمن نور رئيس حزب غد الثورة، عندما قال إنه يشعر بالاطمئنان الآن لأن مصر لديها رئيس مهندس.. بركاتك كترت يا باشمهندس.
أى دليل آخر نحتاج على أننا نتعامل مع مؤسسة رئاسة فاشلة وحكومة فاشلة لا تخشى على هذا الوطن وغير قادرة على إدارة شؤونه؟ كم مصيبة نحتاج؟ لم نَفِق بعد من مهزلة جنود الوطن الذين تم اختطافهم وإذلالهم فى سيناء، وما زلنا لا نعرف حتى الآن مَن الذى خطفهم، وهل تمكّنوا من الهروب عبر الأنفاق إلى غزة؟ الشىء الوحيد الذى نعرفه أن الشرطة اعتقلت شخصًا واحدًا تتهمه بتحميل الفيديو الذى ظهر فيه الجنود يناشدون مرسى ووزير الدفاع التدخل للإفراج عنهم بطريقة «الحقنا يا ريس».
لا أريد أن أخوض فى التكهنات الخاصة بإذا ما كانت إذاعة حلقة الكوميديا الرئاسية الخاصة بإثيوبيا متعمدًا، أم مجرد خطأ افترضت السيدة باكينام الشرقاوى أنه يمكن تصحيحه ببساطة عبر تغريدة فى صفحتها على موقع «تويتر». فهذه السيدة لم يكن لها أن تبقى فى منصبها لدقائق من الأساس لو كانت لدينا مؤسسة رئاسة بالمعنى الحقيقى للكلمة. ولكن الحادثة أكدت ما كان يردده كثيرون من أن مَن يقبعون فى الرئاسة الآن من أعضاء مكتب الإرشاد ومَن يسمون أنفسهم بخبراء الإخوان، هم محدثو نعمة ولا يعرفون ما معنى دولة، أو مصالح شعب بكل تأكيد.
ولذلك لا نستطيع الصبر على هذا الفشل، ولن نسمح لمصر أن يحكمها «هواة». نعم هواة. كانت هذه هى الكلمة التى استخدمها السيد جهاد الحداد المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين فى لقاء جمعنى معه مؤخرًا مع مجموعة من الصحفيين الإيطاليين. كان السيد الحداد يحاول تبرير الفشل الواضح لجماعة الإخوان ومكتب الإرشاد فى إدارة شؤون البلاد، واستخدم بالطبع كل الحجج المتعارف عليها، وبعضها حقيقى، حول الإرث الثقيل من ديكتاتورية مبارك، وحجم المشكلات الضخم، ولكنه فى النهاية طلب من الطليان والعالم الخارجى المساعدة «لأننا جميعًا فى مصر ما بعد الثورة ما زلنا هواة».
هم هواة ولديهم مشروعهم الخاص الذى يرون أنه أوسع من الوطن ويشمل الأمة الإسلامية بأكملها. ولكن غيرهم ليس كذلك، ويحب هذا الوطن ويخاف عليه ويرى فى رفعته وتحقيق مصالح شعبه المباشرة من تحسين للتعليم والصحة والسكن «أهداف ثورة يناير عيش حرية عدالة اجتماعية» خطوة أولى نحو النهضة التى ستسمح لنا باستعادة دورنا الإقليمى والإفريقى. والأسوأ أن يسعى السيد الحداد لطلب مساعدة الخارج فى إدارة شؤون البلاد بينما يصرّون على استبعاد أبناء وطنهم لأنهم لم يقسموا بالولاء والسمع والطاعة للمرشد العام، ولأن الإخوان يريدون إدارة مصر منفردين رغم فشلهم البادى ونقص خبرتهم، إن لم يكن انعدامها.
كل المؤشرات تقودنا نحو الثلاثين من يونيو، ويجب أن نكون شديدى الوضوح فى تحديد الهدف. نريد انتخابات رئاسية مبكرة، لأن الوطن لم يعد يحتمل اللعب به وبمصالح شعبه من قبل هواة لثلاث سنوات قادمة.. تمرد.

0 التعليقات:

إرسال تعليق