الثلاثاء، 5 نوفمبر 2013
4:12 ص

كيف تؤسس حزبا بشكل صحيح

صورة: ‏د/ هالة شكرالله .. امينة التدريب والتثقيف بـ #حزب_الدستور 
" كيف تؤسس حزبا بشكل صحيح "

 احاول افهم مبرر فساد التجارب الحزبية و التنظيمات السياسية عموما - عندما تنتقل من لحظة الحركة الي لحظة التنظيم - لكي نخرج ببعض الدروس التي تمكننا من اعادة البناء او تصحيح المسار- ان امكن. فاجد ان احد المقولات القاضية التي تفسد اي تجربة هي مقولة "الغاية تبرر الوسيلة" و هي مقولة فكرية قديمة تم ضحدها مئات المرات (فالحقيقة ان الوسيلة تعيد تشكيل الغاية التي نصل اليها) و لكن المقولة باقية حية تعود الينا و عادة ما تتحد مع ذوي المصالح الخاصة (وهم دائما موجودين في كل تجربة ينتهزوا الفرص حينما تتاح لتوسيع رقعة نفوذهم - فغايتهم ان يبقوا وحدهم في الساحة و التخلص من كل من يقف في المواجهة للتحكم في التجربة وفقا لاهوائهم ) و يتم التوحد المؤقت في صورة الموائمات و التحالفات "غير البريئة" بدعوي تحقيق الاهداف النبيلة (التي لا يعرف احد ما هي - فهي تغيب في متاهة الموائمات و تدمر الكثير من الاشياء الثمينة في نفوسنا و في التجربة. و يتقوقع الاطراف علي انفسهم و تظهر الي السطح فكرة اخري يجب ان تكون انتهت و هي "الاهل" و "العشيرة" الذين ينتموا الي هذه الفكرة الضيقة و بالتالي يبدأ الانقسام بين اصحاب الفكرة الاكبر و الاعظم- التي و ان لم تتبلور بعد الا انها تشكل اسمي ما في النفوس - فيتم تغليب المصالح الضيقة عن القسم الاعظم المشترك . (ان لاحظتوا فهناك ناس عندما تطرح قضية امامهم تخص الواقع المعاش يبقوا صامتين اما عندمايناقش احد قضية خلاف او صراعات تنظيمية يبدأوا في الانتعاش!) كيف يمكن عدم الوقوع في هذا الفخ - هو في 1-الابقاء علي ما جمع هؤلاء البشر مع بعضهم البعض في بداية التجربة و2- مواجهة هذا الفكر- و 3-معالجة المشاكل التي تجعل البعض يتقوقعون في صورة الشلة. و لكن! هناك ايضا مقولة او طريقة اخري في بناء التنظيمات تجعل الوقوع في هذه الافخاخ سهلة . و هي: الشكل قبل المضمون. من السهل جدا افساد التجربة - خاصة حينما تولد كبيرة - اذا تم الاسغراق في بناء الشكل بعيدا عن المضمون او بمعزل عنه- فلا تبني التحالفات و الاتفاقات علي من يمثلني في الفكر و الموقف تجاه القضايا الكبري - بل علي اساس" الاهل و العشيرة" التي تشكلت قبل او بعد الدخول الي الشكل الجديد و بالتالي لا تتحرك او تتغير وفقا لتغير المواقف و الواقع بل تظل ثابتة ليصبح التواطيء الداخلي سر بقائها. 3 مفاصل اساسية لم يتم التعامل معهم بل بالعكس تم تغذيتهم في كل مرحلة من عمر التجربة. فتكتشف في لحظة "صحيان" ان القرارات لا تؤخذ في الاجتماعات بل في الكواليس (فهناك تتم الاتفاقات). و تبدأ في ادراك ان المضمون اصبح ثانوي و محض ديكور - فالمعركة الاهم هي التنظيم (الشكل) و بالاخص "من يصل الي ما و متي- و الطريقة تتكيف مع الغرض النهائي. اكتب هذا لكي احاول فهم القواسم المشتركة بين الاحزاب و التنظيمات "المدنية" - فالاخري لا تعنيني الان . و الحقيقة اري الكثير من ما يحدث في الاحزاب هو ما ننتقضة في الدولة (علي مصغر). هناك اجزاء سوف انزلها علي الصفحات الخاصة بالحزب. لقد اصبحنا في مرحلة نستطيع ان نبدأ في نقد التجربة بشكل موضوعي لنبدأ في الترسيخ لثقافة تجد لنفسها القواعد التي تحميها في المستقبل . هناك من في احزاب اخري يمروا بتجارب شبيهة و لعل هه التاملات البدائية (فهي لم تتبلور بعد بشكل كافي) تنفع.‏
صورة: ‏د/ هالة شكرالله .. امينة التدريب والتثقيف بـ #حزب_الدستور 

كيف تؤسس حزبا بشكل صحيح (2) 
(( ما تتجنبه عندما تؤسس لحزب حقيقي ))

** كيف يتحول الحزب من وسيلة تحقق هدف .. الى غاية ؟

احد الاشياء التي دوما دهشتني هي كيف يتحول العالم الداخلي للحزب الي غاية في حد ذاته 

و يفقد كونه محض وسيلة لتجميع الناس و تنظيمها في سبيل اهداف محددة 

و ان فور الانخراط في الحزب يبدأ الاعضاء في الابتعاد عن القضايا السياسية و التواصل مع الاحداث التي تؤثر علي حياة الناس و مصيرهم 
فبدلا من ان يسخر الحزب للاشتباك مع هذه القضايا 
يسخر الاعضاء للانغماس في الحزب و صراعاته الغريبة.

و تختلف طبيعة الصراعات من حزب لآخر 
وفقا للخلفيات الايديولوجية و الفكرية و الاجتماعية لاعضائه.

فتجد الاحزاب ذات الطبيعة اليسارية مثلا– تنغمس اكتر في الصراعات الايديولوجية العبثية (طبيعة المرحلة ، طبيعة الثورة..الخ) 

بينما الحياة تسير و اختيارات الناس تنحسم كل لحظة بعيدا عن هذه التمارين الفكرية

و التي كثيرا ما تعكس الرغبة في ابراز المواهب النظرية و ليس ايجاد الحلول لمشاكل آنية 

فالحقيقة جمهور الثورة قد اختار بشعاراته جوهر التغيير المنشود و لم يأبي كثيرا في ان يحدد ماهية طبيعة الثورة قبل ان يقوم بها. 

فبدلا من التعلم في خضم الحركة مع الناس و صراعاتهم في مواجهة تحديات الحياة – هذه المعارك القادرة وحدها علي حفر مسار التغيير و اختبار فكرنا المسبق و تطويره في علاقة وثيقة مع الواقع- 
لكن يصبح هناك عالم "متخيل" يجري حوله و في اطاره المعركة .

و هذا العالم "المتخيل" (بمعني انه غير معاش في الواقع الخارجي ولا يؤثر عليه) يتم بنائه في كل حزب – باشكال و صور مختلفة. 

لقد زارني احد الزملاء مرة و هو من الشباب كثيري الحركة والعمل (وقد انسحب مؤخرا من الدستور) و بعد مناقشة حول ما يجري في البلد آنذاك – التفت و قال لي :
(دي اول مرة اتناقش في السياسة منذ دخلت الحزب) 

و لم افهم ماذا يقصد الا بعد ان عانيت من محاولات اجراء اي مناقشة حول ( ما يحدث )... في اجتماعاتنا،
فامام سؤال : ما هي استراتيجياتنا او موقفنا في هذه اللحظة 
(فكنا في زمن و مازلنا يجري و يتحول في كل لحظة ليبدل الناس مواقعهم داخل الصراع الجاري في الواقع)
كان دائما الالتفات لهما مؤقت و يقابلوا بفرض نقاش القضايا ذات الاولوية – الا وهي :
الشقق و العقود و اللجان و المشاكل التنظيمية..الخ. !

و باستثناء فترات محدودة في عمر اللجنة التسييرية ثم الهيئة العليا عندما تشكلت و مع افراد تعد علي اصابع اليد الواحدة :
تمحور العالم الداخلي للحزب حول 
"التنظيم ثم التنظيم ثم التنظيم".
ولم يسبق هذه القضية في الاولوية اي عنصر آخر الا اذا كانت قضية المالية 
اما كافة القضايا الاخري فاصبحت تحتل مرتبة ثانوية لتنتظر الفرج و تحولت الهيئة العليا او لجنة التسيير الي لجنة لوجستية صعب اطلاق عليها مسمي قيادة
بالرغم من ان بدأة حياتها بتصارع اتجاهين :
الواحد يدفع بتشكيل المضمون و اطلاق العمل حول حملات تعكس هذا المضمون (بدعوي ان هذا ما سيعطي قيمة للحزب )

و آخر يعطي الاولوية للشكل و "تستيف" البيت الداخلي حتي نتمكن من وجود اموال للانشطة 
. و هذا ما لم يحدث حتي الآن! 

فغاب العقل السياسي للحزب
و لم يستطيع التنفس الا في لحظات و مناسبات قليلة.

و بالرغم من ان اغلبية الاعضاء قد تدفقوا الي الحزب من واقع الرغبة و الامل في التغيير و تحويل الثورة الي واقع , الا انه كان من السهل الانجرار وراء الصراع الدائر الذي يسحبنا جميعا بداخله - لنجد انفسنا مستنزفين – حتي نهرب بجلدنا لنتنفس الهواء النقي مرة اخري 

و نترك ورائنا حلم انكسر و جزء من انفسنا لا نستعيده ابدا. 

بالطبع هناك فرسان كل الاحزاب التي تتنقل من حزب الي آخر مصوبة نفسها علي مناصب بعينها 

و هذه العينة ليس لديها نفس المعاناة – فالسياسة لعبة تجيدها و الهدف شخصي محض او ممزوج قليلا بالهدف العام او علي الاقل يتقاسم الاهمية (والله اعلم)

الا ان هذا النوع يفرض طريقة مجربة و صار التمكن منها
"professional " الي درجة يصعب علي من يتحثث الطريق امامه و يتعلم ما هي الخطوة القادمة وهو ياخذها ان يقف امام اجندات خفية لا تظهر الا بعد فوات الاوان
ليصبح باقي عمر الحزب هو اطفاء الحرائق 
و ليتحول الحزب و اعضاءه الي فائز و مهزوم و كانها لعبة شطرنج و تختفي القضية الاساسية التي جمعتنا كلنا

ولا يخلو اي حزب من الاجندات الخفية و صراع المناصب و المصالح. فالحموة و الحماس التي نجده في الصراع من اجل المسميات و الكراسي ينقل لنا الاحساس بان لهذا اللقب او المنصب قيمة اكبر بكثير من المسئولية الموكلة لصاحبها. 
فكأن الكرسي و المسمي..الخ يحدد الناس وهو الذي يصنع الشخص و ليس العكس. 
و قد يكون الاهتمام الشديد بالالقاب مرتبط بالدرجة التي وصل اليها شعبنا من الاحساس بضياع قيمته كانسان او مواطن او عضو
– فوجب عليه ان يضيف لهذه الصفة الضائعة "عناوين" اخري تشعره بانه يمكن ان يكون مسموع يوما ما 
و ان هذه الدولة و المجتمع التي تشعره و اشعرته او اشعرتها مدي الحياة بعدم الوجود- يمكن ان تعترف به و بها من خلال الموقع او المنصب- فيصبحا موجودان! 
وان كان هذا مفهوم لفئة واسعة من الناس – الا ان هناك فئة لا افهم و لا اجد مبرر لتصارعها علي المناصب- فهي لديها من الحيثية في هذا المجتمع ما يكفي لكي يتم سماعها 
و لكنها لا تكتفي- فتعتبره سلم اضافي لمجد أكبر.
و بين هذا و ذاك هناك فئة لا تابي كثيرا بالمناصب و لا تعتبر انها تضيف لها شيئا – فبغض النظر عن موقعها –
الا انها عادة ما تسعي الي الانزواء بعيدا امام هذا الصراع و فقدان الاتجاه .

و هكذا يفقد الحزب اثمن ما فيه
. اذن تبقي المعضلة الابدية هي :
كيفية الهروب من هذه الحلقة المميتة لصراع ابدي أطاح باحزاب عديدة ؟
و كيف يتم تغليب الصراع الحقيقي الدائر في الواقع ليصبح هو المحرك للحياة الداخلية للحزب ؟
و ليكون الحزب ليس محض مرآة لهذا الواقع بل نقيضه! ؟‏
احاول افهم مبرر فساد التجارب الحزبية و التنظيمات السياسية عموما - عندما تنتقل من لحظة الحركة الي لحظة التنظيم - لكي نخرج ببعض الدروس التي تمكننا من اعادة البناء او تصحيح المسار- ان امكن. فاجد ان احد المقولات القاضية التي تفسد اي تجربة هي مقولة "الغاية تبرر الوسيلة" و هي مقولة فكرية قديمة تم ضحدها مئات المرات (فالحقيقة ان الوسيلة تعيد تشكيل الغاية التي نصل اليها) و لكن المقولة باقية حية تعود الينا و عادة ما تتحد مع ذوي المصالح الخاصة (وهم دائما موجودين في كل تجربة ينتهزوا الفرص حينما تتاح لتوسيع رقعة نفوذهم - فغايتهم ان يبقوا وحدهم في الساحة و التخلص من كل من يقف في المواجهة للتحكم في التجربة وفقا لاهوائهم ) و يتم التوحد المؤقت في صورة الموائمات و التحالفات "غير البريئة" بدعوي تحقيق الاهداف النبيلة (التي لا يعرف احد ما هي - فهي تغيب في متاهة الموائمات و تدمر الكثير من الاشياء الثمينة في نفوسنا و في التجربة. و يتقوقع الاطراف علي انفسهم و تظهر الي السطح فكرة اخري يجب ان تكون انتهت و هي "الاهل" و "العشيرة" الذين ينتموا الي هذه الفكرة الضيقة و بالتالي يبدأ الانقسام بين اصحاب الفكرة الاكبر و الاعظم- التي و ان لم تتبلور بعد الا انها تشكل اسمي ما في النفوس - فيتم تغليب المصالح الضيقة عن القسم الاعظم المشترك . (ان لاحظتوا فهناك ناس عندما تطرح قضية امامهم تخص الواقع المعاش يبقوا صامتين اما عندمايناقش احد قضية خلاف او صراعات تنظيمية يبدأوا في الانتعاش!) كيف يمكن عدم الوقوع في هذا الفخ - هو في 1-الابقاء علي ما جمع هؤلاء البشر مع بعضهم البعض في بداية التجربة و2- مواجهة هذا الفكر- و 3-معالجة المشاكل التي تجعل البعض يتقوقعون في صورة الشلة. و لكن! هناك ايضا مقولة او طريقة اخري في بناء التنظيمات تجعل الوقوع في هذه الافخاخ سهلة . و هي: الشكل قبل المضمون. من السهل جدا افساد التجربة - خاصة حينما تولد كبيرة - اذا تم الاسغراق في بناء الشكل بعيدا عن المضمون او بمعزل عنه- فلا تبني التحالفات و الاتفاقات علي من يمثلني في الفكر و الموقف تجاه القضايا الكبري - بل علي اساس" الاهل و العشيرة" التي تشكلت قبل او بعد الدخول الي الشكل الجديد و بالتالي لا تتحرك او تتغير وفقا لتغير المواقف و الواقع بل تظل ثابتة ليصبح التواطيء الداخلي سر بقائها. 3 مفاصل اساسية لم يتم التعامل معهم بل بالعكس تم تغذيتهم في كل مرحلة من عمر التجربة. فتكتشف في لحظة "صحيان" ان القرارات لا تؤخذ في الاجتماعات بل في الكواليس (فهناك تتم الاتفاقات). و تبدأ في ادراك ان المضمون اصبح ثانوي و محض ديكور - فالمعركة الاهم هي التنظيم (الشكل) و بالاخص "من يصل الي ما و متي- و الطريقة تتكيف مع الغرض النهائي. اكتب هذا لكي احاول فهم القواسم المشتركة بين الاحزاب و التنظيمات "المدنية" - فالاخري لا تعنيني الان . و الحقيقة اري الكثير من ما يحدث في الاحزاب هو ما ننتقضة في الدولة (علي مصغر). هناك اجزاء سوف انزلها علي الصفحات الخاصة بالحزب. لقد اصبحنا في مرحلة نستطيع ان نبدأ في نقد التجربة بشكل موضوعي لنبدأ في الترسيخ لثقافة تجد لنفسها القواعد التي تحميها في المستقبل . هناك من في احزاب اخري يمروا بتجارب شبيهة و لعل هه التاملات البدائية (فهي لم تتبلور بعد بشكل كافي) تنفع.

(( ما تتجنبه عندما تؤسس لحزب حقيقي ))

** كيف يتحول الحزب من وسيلة تحقق هدف .. الى غاية ؟

احد الاشياء التي دوما دهشتني هي كيف يتحول العالم الداخلي للحزب الي غاية في حد ذاته 

و يفقد كونه محض وسيلة لتجميع الناس و تنظيمها في سبيل اهداف محددة

و ان فور الانخراط في الحزب يبدأ الاعضاء في الابتعاد عن القضايا السياسية و التواصل مع الاحداث التي تؤثر علي حياة الناس و مصيرهم
فبدلا من ان يسخر الحزب للاشتباك مع هذه القضايا
يسخر الاعضاء للانغماس في الحزب و صراعاته الغريبة.

و تختلف طبيعة الصراعات من حزب لآخر
وفقا للخلفيات الايديولوجية و الفكرية و الاجتماعية لاعضائه.

فتجد الاحزاب ذات الطبيعة اليسارية مثلا– تنغمس اكتر في الصراعات الايديولوجية العبثية (طبيعة المرحلة ، طبيعة الثورة..الخ)

بينما الحياة تسير و اختيارات الناس تنحسم كل لحظة بعيدا عن هذه التمارين الفكرية

و التي كثيرا ما تعكس الرغبة في ابراز المواهب النظرية و ليس ايجاد الحلول لمشاكل آنية

فالحقيقة جمهور الثورة قد اختار بشعاراته جوهر التغيير المنشود و لم يأبي كثيرا في ان يحدد ماهية طبيعة الثورة قبل ان يقوم بها.

فبدلا من التعلم في خضم الحركة مع الناس و صراعاتهم في مواجهة تحديات الحياة – هذه المعارك القادرة وحدها علي حفر مسار التغيير و اختبار فكرنا المسبق و تطويره في علاقة وثيقة مع الواقع-
لكن يصبح هناك عالم "متخيل" يجري حوله و في اطاره المعركة .

و هذا العالم "المتخيل" (بمعني انه غير معاش في الواقع الخارجي ولا يؤثر عليه) يتم بنائه في كل حزب – باشكال و صور مختلفة.

لقد زارني احد الزملاء مرة و هو من الشباب كثيري الحركة والعمل (وقد انسحب مؤخرا من الدستور) و بعد مناقشة حول ما يجري في البلد آنذاك – التفت و قال لي :
(دي اول مرة اتناقش في السياسة منذ دخلت الحزب)

و لم افهم ماذا يقصد الا بعد ان عانيت من محاولات اجراء اي مناقشة حول ( ما يحدث )... في اجتماعاتنا،
فامام سؤال : ما هي استراتيجياتنا او موقفنا في هذه اللحظة
(فكنا في زمن و مازلنا يجري و يتحول في كل لحظة ليبدل الناس مواقعهم داخل الصراع الجاري في الواقع)
كان دائما الالتفات لهما مؤقت و يقابلوا بفرض نقاش القضايا ذات الاولوية – الا وهي :
الشقق و العقود و اللجان و المشاكل التنظيمية..الخ. !

و باستثناء فترات محدودة في عمر اللجنة التسييرية ثم الهيئة العليا عندما تشكلت و مع افراد تعد علي اصابع اليد الواحدة :
تمحور العالم الداخلي للحزب حول
"التنظيم ثم التنظيم ثم التنظيم".
ولم يسبق هذه القضية في الاولوية اي عنصر آخر الا اذا كانت قضية المالية
اما كافة القضايا الاخري فاصبحت تحتل مرتبة ثانوية لتنتظر الفرج و تحولت الهيئة العليا او لجنة التسيير الي لجنة لوجستية صعب اطلاق عليها مسمي قيادة
بالرغم من ان بدأة حياتها بتصارع اتجاهين :
الواحد يدفع بتشكيل المضمون و اطلاق العمل حول حملات تعكس هذا المضمون (بدعوي ان هذا ما سيعطي قيمة للحزب )

و آخر يعطي الاولوية للشكل و "تستيف" البيت الداخلي حتي نتمكن من وجود اموال للانشطة
. و هذا ما لم يحدث حتي الآن!

فغاب العقل السياسي للحزب
و لم يستطيع التنفس الا في لحظات و مناسبات قليلة.

و بالرغم من ان اغلبية الاعضاء قد تدفقوا الي الحزب من واقع الرغبة و الامل في التغيير و تحويل الثورة الي واقع , الا انه كان من السهل الانجرار وراء الصراع الدائر الذي يسحبنا جميعا بداخله - لنجد انفسنا مستنزفين – حتي نهرب بجلدنا لنتنفس الهواء النقي مرة اخري

و نترك ورائنا حلم انكسر و جزء من انفسنا لا نستعيده ابدا.

بالطبع هناك فرسان كل الاحزاب التي تتنقل من حزب الي آخر مصوبة نفسها علي مناصب بعينها

و هذه العينة ليس لديها نفس المعاناة – فالسياسة لعبة تجيدها و الهدف شخصي محض او ممزوج قليلا بالهدف العام او علي الاقل يتقاسم الاهمية (والله اعلم)

الا ان هذا النوع يفرض طريقة مجربة و صار التمكن منها
"professional " الي درجة يصعب علي من يتحثث الطريق امامه و يتعلم ما هي الخطوة القادمة وهو ياخذها ان يقف امام اجندات خفية لا تظهر الا بعد فوات الاوان
ليصبح باقي عمر الحزب هو اطفاء الحرائق
و ليتحول الحزب و اعضاءه الي فائز و مهزوم و كانها لعبة شطرنج و تختفي القضية الاساسية التي جمعتنا كلنا

ولا يخلو اي حزب من الاجندات الخفية و صراع المناصب و المصالح. فالحموة و الحماس التي نجده في الصراع من اجل المسميات و الكراسي ينقل لنا الاحساس بان لهذا اللقب او المنصب قيمة اكبر بكثير من المسئولية الموكلة لصاحبها.
فكأن الكرسي و المسمي..الخ يحدد الناس وهو الذي يصنع الشخص و ليس العكس.
و قد يكون الاهتمام الشديد بالالقاب مرتبط بالدرجة التي وصل اليها شعبنا من الاحساس بضياع قيمته كانسان او مواطن او عضو
– فوجب عليه ان يضيف لهذه الصفة الضائعة "عناوين" اخري تشعره بانه يمكن ان يكون مسموع يوما ما
و ان هذه الدولة و المجتمع التي تشعره و اشعرته او اشعرتها مدي الحياة بعدم الوجود- يمكن ان تعترف به و بها من خلال الموقع او المنصب- فيصبحا موجودان!
وان كان هذا مفهوم لفئة واسعة من الناس – الا ان هناك فئة لا افهم و لا اجد مبرر لتصارعها علي المناصب- فهي لديها من الحيثية في هذا المجتمع ما يكفي لكي يتم سماعها
و لكنها لا تكتفي- فتعتبره سلم اضافي لمجد أكبر.
و بين هذا و ذاك هناك فئة لا تابي كثيرا بالمناصب و لا تعتبر انها تضيف لها شيئا – فبغض النظر عن موقعها –
الا انها عادة ما تسعي الي الانزواء بعيدا امام هذا الصراع و فقدان الاتجاه .

و هكذا يفقد الحزب اثمن ما فيه
. اذن تبقي المعضلة الابدية هي :
كيفية الهروب من هذه الحلقة المميتة لصراع ابدي أطاح باحزاب عديدة ؟
و كيف يتم تغليب الصراع الحقيقي الدائر في الواقع ليصبح هو المحرك للحياة الداخلية للحزب ؟
و ليكون الحزب ليس محض مرآة لهذا الواقع بل نقيضه! ؟

0 التعليقات:

إرسال تعليق